خصائص الثقافة البانية
   
البحث
الإدارة
تكريم جمعية النبراس للثقافة والتنمية

جمعية النبراس تشارك وتحظى بشرف التكريم على منجزاتها وتجاوبها مع قضايا المجتمع والأمة بصفة عامة طيلة مسيرة 36 سنة ...

جمعية النبراس تستضيف تلميذات مؤسسة الثانوية التأهيلية "زينب النفزاوية"

جمعية النبراس تستضيف تلميذات مؤسسة الثانوية التأهيلية \"زينب النفزاوية\" ...

اللجنة الثقافية
قراءة في كتاب "البريشيون : أعلام ومواطن استقرار"

نظمت جمعية النبراس للثقافة والتنمية بوجدة بتعاون مع جمعية مجموعة البحث والمبادرة لتنمية شرق المغرب وجدة ...

الندوة الدولية السنوية للثقافة البانية تحت موضوع : أي هوية رقمية للمجتمعات العربية؟

نظم فضاء الثقافة والتربية والتكوين الندوة الدولية السنوية للثقافة البانية تحت موضوع : أي هوية رقمية للمجتمعات العربية؟ ...

لجنة محو الأمية و التربية غير النظامية
فضاء الدعم الدراسي والقرائي بجمعية النبراس للثقافة والتنمية ينظم دورة تكوينية لفائدة منشطي واطر الفضاء وباقي اطر الفضاءات الأخرى.

دورة تكوينية لفائدة منشطي واطر الفضاء وباقي اطر الفضاءات الأخرى. ...

مسابقة ثقافية لمستفيدات محو الامية

مسابقة ثقافية لمستفيدات محو الامية ...

لجنة الأسرة و التربية
المدارسة القرآنية : سورة الاعراف / د.عبد الحميد الداودي

المدارسة القرآنية : سورة الاعراف / د.عبد الحميد الداودي ...

ندوة المراة الربيعية 2016-2017: البناء الاسري و قيم التراحم

ندوة المراة الربيعية 2016-2017: البناء الاسري و قيم التراحم ...

لجنة فلسطين
امسية فنية شعرية بمناسبة ذكرى يوم الارض 2016-2017 و مرور 100 على وعد بلفور المشؤوم

امسية فنية شعرية بمناسبة ذكرى يوم الارض 2016-2017 و مرور 100 على وعد بلفور المشؤوم ...

ندوة ذكرى يوم الارض 2016-2017 و مرور 100 على وعد بلفور المشؤوم

ندوة ذكرى يوم الارض 2016-2017 و مرور 100 على وعد بلفور المشؤوم ...

لجنة ملتقى الشباب
"اللقاء التطوعي الشبابي الأول"

برنامج تأهيل قدرات مبادرات الشباب ...

دعــــــــــوة Invitation

دعــــــــــوة Invitation من جمعية النبراس للثقافة والتنمية و جمعية الطلبة المسلمين الأفارقة بوجدة ، و مركز الإعلام والتوجيه والحياة الطلابية التابع لجامعة محمد الأول بوجدة. ...

لجنة أسرة نشاط الطفل
المخيم الحضري 2016/2017

المخيم الحضري 2016/2017 ...

صبيحة ترفيهية خاصة بالألعاب العالمية الشعبية بمنتزه سيدي يحي

صبيحة ترفيهية خاصة بالألعاب العالمية الشعبية بمنتزه سيدي يحي ...

اللجنة الصحية
قافلة طبية

قافلة طبية ...

ندوة طبية : تعفنات المسالك البولية التشخيص و طرق العلاج

ندوة طبية : تعفنات المسالك البولية التشخيص و طرق العلاج ...

لجنة العمل النسوي و الاجتماعي
دورة تكوينية للشباب بعنوان : من أجل شباب طموح ومتفائل

نظم فضاء الخدمات الصحية والاجتماعية دورة تكوينية للشباب بعنوان \"من اجل شباب طموح ومتفائل\" من تأطير الدكتور سعيد بنعالية ...

تقييم مشروع "كفالة اليتيم" بمناسبة مرور 10 سنوات على انطلاقه

نظم فضاء الخدمات الصحية والاجتماعية لقاء تقييميا لمشروع \"كفالة اليتيم\" بمناسبة مرور 10 سنوات على انطلاقه ...

لجنة الاعلام و التوثيق
لجنة الإعلام و التوثيق

لجنة الإعلام و التوثيق ...

الأكثر قراءة
شريط تعريفي بالجمعية.
ندوة المجتمع وقيم التكافل: يوم السبت 20 ماي 2017.
لجنة محو الامية والتربية غير النظامية.
لجنة النشاط الطفولي.
 
خصائص الثقافة البانية

 

تمهيد:

 أخشى أن ننصرف إلى الحديث عن الخصائص قبل استكمال الحديث عن مظاهر الثقافة السائدة فيظن أن ذلك غفلة عن بعض الأمور أو إغفال لها، وأن البناء لذلك لن يقوم على أساس متين، ولذلك أنبه إلى أن بعض مظاهر تلك الثقافة قد أرجىء الحديث عنه إلى باب الخصائص فتكون حركتا الهدم والبناء متوازيتين، غير أن هناك أمرا لا يقبل الإرجاء، ولابد من الإشارة إليه، وكنت سكت عنه ظنا مني أنه، لوضوحه، لا يستحق أن يسود له قرطاس ثم تبين غير ذلك فأقول: إن من طبيعة الثقافة البانية أنها ثقافة رائدة، تسلك الإرشاد والترشيد، فإن عز ذلك وسيلة لجأت إلى ما هو أنجع، ولذلك فهي ثقافة بهذا المعنى مصادمة غير مستكينة، واستئناسا بقول الإمام علي كرم الله وجهه: ) ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه ( وقفنا عند بعض المظاهر الثقافية التي لم نرتب في إخلاص أصحابها فيما ندبوا أنفسهم له ظانين أنه الحق، ولم نرتب أنهم أخطأوا طريق البناء.

أما الثقافة التي لا تملك غير ترقيع ما انفتق، أو تلميع ما يوشك أن ينهار، فلم نلتفت إليها اقتناعا منا بأنها ثقافة تعيش ولا تحيى ولو مدت إليها شرايين الحياة، وصبغت بأصباغ النداوة حتى تظهر عليها نفخة الروح..إنها باختصار ثقافة ميتة بالرغم مما قد تحاط به من أضواء وذلك شأن كل ثقافة ترعى في ظل من يحمون الأنظمة المتسلطة .. إنها المنسأة الهشة التي يتوكأ عليها الأحياء الموتى تترقب دابة الأرض تأكل منها فيتهاوى البناء.

1- ثقافة ربانية: 

) الربانية أولى خصائص التصور الإسلامي، ومصدر هذه الخصائص كذلك.. فهو تصور اعتقادي موحى به من الله – سبحانه – ومحصور في هذا المصدر لايستمد من غيره([1]  )وميزة هذا التصور المنبثقة من خاصية الربانية – أن يلبي الكينونة الإنسانية بجملتها ويدخل كذلك في دائرة إدراكها ( [2].

ولقد أودع الله عز وجل في نفس كل إنسان أشعة من الربانية، إذ خلقه بيديه وسواه ونفخ فيه من روحه، ولكن الضعف البشري قد يميل بالإنسان عن الصراط، فيجيء الوحي ليحدد المعالم ويبين الحدود.

ولقد أجاب الوحي عن القضايا المصيرية الكبرى التي كانت تؤرق الإنسان ) من مبدئه إلى منتهاه ( وتلفه بنسيج من الحيرة والقلق والاضطراب، ثم دعاه إلى الانطلاق وأطلق عقاله، وحثه على التحري والنظر والبحث، ولقد كان إعلان ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال محمد إقبال رحمه الله، إيذانا بدخول الإنسانية مرحلة الرشد: ] قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق [  [3] .

وليس الإنسان منفيا من مجال هذه الخاصية، بل هي تتجلى في أعظم مقاماتها في الإنسان، نظرا لمقام التكريم الذي خص به، والتحقق  بالربانية يعصم من الزلل ويجعل جهد الإنسان لا يضيع سدى، بل يصب حيث ارتضى الله، وهذا التحقق ليس إلغاء للذات ونفيا لها وإنما هو التحرر من كل سلطان، غير سلطان الحق:

]ما كان لبشر أن يوتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون[[4].

 2- ثقافة إنسانيـة :

وهذه من أخص خصائص الثقافة البانية، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالربانية، لأن كل ثقافة إنسانية لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا كانت ربانية. ومفهوم الإنسانية يشمل جوانب متعددة نذكر اثنين منها:

أ‌-   أن الثقافة ينبغي أن تسعى إلى خدمة الإنسان وتكريمه بالصورة المثلى، عن طريق إنماء نوازع الخير فيه، فهي لا تصور لحظات الإحباط والارتكاس تصويرا يجعلها حتمية كصخرة سيزيف، بل هي تعمل على كشف قدرات الإنسان التي تمكنه من تجاوز تلك اللحظات، كما لا تسعى إلى إلغاء وجود الفرد الحق، بجعله عبدا لأهوائه ونوازعه وشهواته باسم التحرر، ولا إلى إلغاء وجوده عن طريق الذوبان والانسحاق داخل المجموع باسم خدمة الجماعة ونكران الذات..إنها تنظر إلى الإنسان من حيث هو إنسان، له كينونة تتعدد صورها، وتتكامل ولا تتصارع، فلا ينبغي أن يطغى عنصر على حساب عنصر آخر ..

     ب- وهي ليست ثقافة إقليمية منغلقة، بل هي ثقافة منفتحة، ولكن انفتاح وعي وهدى..  إنها بتعبير آخر: ثقافة عالمية، ولكن العالمية هنا لا تعني أن الأديب - مثلا - ينبغي أن يلهث وراء أخبار العالم، ملتقطا الحوادث، غافلا عن واقعه  وواقع أمته، بل تعني أنه في تناول قضايا أمته ليس  منغلقا على الذات، فهو لا يعالجها بمعزل عن الوعي الإنساني العام، وهو في الوقت ذاته قد يتناول قضايا أمم أخرى، إلا أن هذا التناول ينبغي أن يصاغ صياغة منسجمة مع واقع أمته، فإذا هو أخطأ هذا الطريق، أخطأ الطريق إلى الإنسانية ولن يشفع له من بعد شيء.. وكثيرا ما أخطأ بعض أدبائنا الطريق وهم يلتمسون "العالمية"  فهم يلهثون وراء ما يجري في العالم غافلين أحيانا ) أو متغافلين، لأن الانتباه قد يكلف غاليا ( عما يعانيه أبناء أمتهم.. ولنضرب مثلا واحدا، بفتح أحد دواوين الشعراء الرواد وليكن عبد الوهاب البياتي، ولنقرأ عناوين القصائد، فماذا نجد؟

هذه بعض العناوين:

) ثلاثة أغنيات إلى أطفال وارسو – الى ماوتسي تونغ الشاعر – الى هاتسن كرو تسبورغ – الى أمهات جنود ألمانيا الديموقراطية – ميدان ماركس – أنجلز – الى ت . س. اليوت – الى مكسيم غوركي – الى ماياكوفسكي.. (

أين نعيش؟ قطعا ليس في العالم العربي، أين الواقع العربي؟ وأين الواقع الإسلامي إذا أردنا أن نوسع الدائرة؟ إنه الغياب التام أو يكاد..

3- ثقافة محررة متحررة:

لايماري أحد في أن القومة الحضارية تقتضي وحدة الأمة الشاملة، وهذه الوحدة ينبغي أن تنطلق من الشعور، ولا شك أن الفعل الثقافي من سبل تحقيق ذلك، إن لم يكن السبيل الأول. ليست القضية قضية بحث عن الذات، فذاتنا الحضارية، رغم ما ران عليها واضحة الملامح، ولكن القضية تكمن في تحقيق الذات الغائبة وتجذرها في الواقع للارتفاع بالانسان من الارتكاس، والارتقاء به إلى معارج التكريم الالهي، ينبغي أن نحرر الإنسان من كثير من العقابيل.

ولكن كل ثقافة محررة ينبغي أن تكون متحررة أولا. وعملية التحرر ينبغي أن تلتفت الى عنصرين: عنصر يتعلق بالماضي وآخر يتعلق بالحاضر. فأما الماضي فينبغي فهمه فهما جيدا حتى يكون مصباحا يهتدى به لاسيفا مصلتا على الرقاب وللتحرر من سلطان الماضي ينبغي التسلح بالقاعدة التالية التي أقرها الامام مالك رحمه الله: ) كل يؤخذ من أمره ويترك إلا صاحب هذا القبر – يعني النبي r ( . وهذا يعني أن التراث كله قابل لأن يطرح على بساط الدرس فيؤخذ منه ويترك.

وأما الحاضر فمازلنا منه في موقفين: فإما موقف الانبهار بالحضارة المعاصرة ومنجزاتها المادية والفكرية وهو انبهار يتجدد ويتخذ لنفسه صورا شتى، فنحن نتلقف مواليد هذه الحضارة، ولو كانت مخلوقات مشوهة غير تامة الخلق، وغير مستوية وهذا يشي  بغياب الذات غيابا مطلقا، وأما موقف الرفض التام من موقع الخوف من الهجنة، وهذا يدل على غياب الوعي والاقتناع التامين بحقيقة الذات، وكلا الأمرين داء خطير ينبغي علاجه .

فلنكف إذن عن اتخاذ الإنسان حقل تجارب، نخدره ونحقنه بما شئنا من الفلسفات والمذاهب، وعن جعله غير واثق بنفسه ولا بمن حوله كما نرى في المقطع الثالث والمقطع السادس من قصيدة البياتي )العرب اللاجئون ( حيث تتكرر قولة سارتر:

الآخرون هم الجحيم

الآخرون هم الجحيم

ولنكف عن التفكير نيابة عن هذا الإنسان.

ليست هذه دعوة إلى الانغلاق، بان نضع أنفسنا في قوالب جامدة ولا هي دعوة إلى أن نغيب ذاتنا بالانسلاخ الحضاري، ولكنها دعوة إلى وحدة واعية بما يحيط بها من مظاهر التعدد أو هي دعوة إلى التعدد داخل الوحدة.

4- ثقافة واضحة :

إن من شروط الثقافة البانية أن تكون واضحة الأهداف، ولكن من شروطها كذلك أن تكون وسائلها منسجمة مع طبيعة الأهداف، ومن هنا تتداعى القاعدة الميكافيلية: ) الغاية تبرر الوسيلة ( فالغاية في مفهوم الثقافة البانية، لا تبرر الوسيلة، وإذا كان الهدف الأساس هو تكريم الإنسان وتحريره من كل مظاهر الخوف والتواكل والإحجام، فإن من الخيانة أن نسير بهذا الإنسان في سراديب التيه. وإذا كانت طبيعة العمل الأدبي- مثلا - باعتباره رافدا جوهريا من الروافد الثقافية تتنافى مع التسطيح وتتطلب قدرا من الإشارات المحملة بالرموز، فإن ذلك لا ينبغي أن يكون مبررا للسقوط في الإبهام وإلا تعطلت رسالة الأديب.

عندما يحتج الجمهور ويعلن رفضه لأدب ما بتهمة الغموض والإبهام قد نتهمه بالضحالة الفكرية ونقول: إن على الجماهير أن تصعد إلى الأديب لا العكس، مرددين مع أبي تمام قوله لمن اعترض على مذهبه: لم  لا تفهم ما يقال ؟ أما عندما يصيح الأدباء والنقاد أنفسهم احتجاجا على انعدام التواصل الأدبي فينبغي أن نصيح جميعا: كفى !

وحتى لا يبقى هذا الحديث عاما أقف عند هذا المثال:

يقول نجيب محفوظ عملاق الرواية العربية لعز الدين إسماعيل تعليقا على العدد الخاص بمناهج النقد الأدبي المعاصر من مجلة فصول 1981: " لم أكن أعلم أن النقد قد صار على هذا القدر من الصعوبة " ولا أعرف إذا كان نجيب محفوظ قد كلف نفسه شيئا من التفكير بحثا عن الأسباب التي جعلت النقد يصير )على هذا القدر من الصعوبة(، ولكني على يقين أن قدرا من التفكير كفيل بكشف بعض تلك الأسباب إن لم يكن كل تلك الأسباب التي من بينها بلا ريب، العلاقة الوطيدة الموجودة بين الأدب والنقد، إذ لا يمكن أن يصبح الأدب ) على قدر من الصعوبة ( ثم يظل النقد بعيدا عن اصطناع أدوات مستحدثة تمكن من الاقتراب من ذلك الأدب الصعب، ومنذ ما يزيد على عشر سنوات من صدور العدد الخاص من ) فصول ( صرح عملاق الرواية العربية بما يلي: )تسألني عن رأي ابنتي في قصصي.. القديمة تعجبهما جدا، أما أقاصيصي القصيرة الجديدة فهما أحيانا تتهمانني بالجنون ([5].

لم تتمكن بنتا نجيب محفوظ من تفسير التحول الأدبي الذي طرأ على أبيهما، ولكنهما عبرتا بالتأكيد عن رأي صنف من القراء، وهذا ناقد يسعى إلى محاولة للتفسير دون أن يقطع الجسور في تحليله بينه وبين ابنتي نجيب محفوظ – يقول غالي شكري: )لكني أقرأ أعمالك الأخيرة في القصة القصيرة – وتوقفك عن كتابة الرواية لايخلو من المعنى – فأشهد أن الأمور اختلطت عليك اختلاطا شديدا، لم تعد هناك رؤيا موغلة في الأعماق تتطلب منك تكليفا يصل إلى درجة الشعر، وتتطلب من قارئك تركيزا يصل إلى درجة الصلاة، كما كان الحال في رواياتك السابقة للهزيمة، وإنما أصبحت هناك مجموعة من المعادلات الرياضية البحتة، هي صعبة صعبة وهي سهلة سهلة، لأنها لاتتطلب سوى العثور على المفتاح السري.... فإذا لم يجده مسكين مثلي، فاتت عليه " الفزورة " وضاع عنه اللغز، أما السعيد السعيد الذي يجيد حل الكلمات المتقاطعة ولعب الشطرنج ويتابع فوازير رمضان ويتثقف بألغاز الجان والشيطان فإنه سرعان ما يكسب الرهان، ويربح العروسة والحصان ([6].

5- ثقافة متوازنـــة:

نحن بحاجة إلى ) إعادة تشكيل العقل المسلم ( وإلى إعادة تشكيل وجدان المسلم أيضا، فيصحح منهج التلقي، ومنهج الفعل ، وهذه عملية بناء تقتضي الفهم العميق لطبيعة الإنسان حتى لا يختل البناء .. إننا بحاجة إلى " أنسنة " الإنسان، لا إلى تأليهه على طريقة نيتشه ولا إلى سحقه ومسخه بأسلوب كافكا. وأنسنة الإنسان تقتضي التوازن داخل المتلقي، لكن تتطلب أولا توافر التوازن داخل الفعل الثقافي نفسه ..

إن البناء الحضاري رهين بفقه الإنسان، بشروطه الثابتة وعناصره المتغيرة، ورهين أيضا بفقه الزمان والمكان اللذين يسهمان في تشكيل العناصر المتغيرة. الإنسان والزمان والمكان تلك هي الشروط الأساسية للبناء الحضاري، وكل تحول حضاري إنما هو نتيجة للتوازن الفعال بين هذه الشروط .

في الفن مثلا: ينبغي أن يتحقق الانسجام بين العناصر المركبة للإبداع ) لوحة – نص الخ ..( من جهة، وبين الهدف المحدد من جهة أخرى. إن العمل الفني لا تتحدد قيمته من ذاته فحسب بل تتحدد أيضا من خلال فعاليته الإيجابية.. علينا أن نستحضر دائما أن المقالة غير القصة، وأن الخطبة غير القصيدة، وأن الجنس الأدبي نفسه تتغير مكوناته وشروطه طبقا لتغير الزمان والمكان، ولكل نص أدبي عناصره المميزة، حتى عندما ندعو إلى ما أسماه بعضهم ) الكتابة ( كإلغاء للأنواع والأجناس الأدبية، نكون قد اخترنا جنسا أدبيا جديدا ينبغي لنجاحه أن تتوافر فيه شروط وعناصر لا غنى عنها لتحقق " الكتابة " رسالتها وأن التوازن في العمل الأدبي بين القيم الجمالية والقيم الفكرية شرط لازم لتحقيق الغرض.. أي أن " الفائدة " و " المتعة " يسيران جنبا إلى جنب، ولنا في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على ما ذكرت وحسبنا هذه الآيات البينات من سورة النحل شاهدا على ضرورة التوازن بين الفائدة والمتعة: ] والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ، إن ربكم لرؤوف رحيم ، والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق مالا تعملون [ [7] .

6-  ثقافة مسؤولة وا عية :

إن الشعور بالمسؤولية يزيدك إحساسا بالحرية، ويعمق في ذاتك أسرارها، ليجعلها تسري في أعماق الوجدان، ولكنه في الوقت ذاته يجعلك رقيبا على حريتك. إنها باختصار ثقافة ملتزمة بطبيعتها، ولكن الالتزام فيها نابع من شعور داخلي عميق مرتبط بالحقيقة الكبرى، وهي أن الله عز وجل رقيب حسيب، وليست هناك سلطة خارجية تسلط السيف على الرقاب، أو تحصي أنفاس الناس، سواء أكانت سلطة أدبية أم سلطة سياسية.. إنها ثقافة تتجسد فيها الثورة على ) الجدانوفية ( و )المكارثية ( لأنهما ) وهما وجهان لعملة واحدة ( تقتلان الإبداع وتدجنان الثقافة وترعيان الطفيليات والنباتات السامة..

ورب معترض يقول: ففيم إذن سجن عمر رضي الله عنه الحطيئة ؟

 فأقول: لم يكن تصرف عمر تكميما للأفواه، ولكنه كان تصرف المسؤول الذي يشعر بأن عليه حفظ أعراض الرعية. ويزداد الأمر جلاء إذا نحن قارنا بين موقفه هذا وموقفه من واليه النعمان بن عدي وقد بلغه قوله:

إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني  ***   ولا تسقني بالأصغر المتلثــم

لعل أمير المؤمنين يســـوءه  ***    تنادمنا بالجوسق المتـهــدم

إن المسؤولية تتحدد في التصور الإسلامي وفقا للموقع، فتتسع أو تضيق. فالإنسان حتما مسؤول عن نفسه، ولكنه من موقعه المتميز قد يكون مسؤولا عن غيره بتحديد العلاقة القائمة بينه وبين غيره. ولا شك أن مسؤولية المثقف مرتبطة بالوعي، فكلما ازداد وعيك ازدادت مسؤوليتك، كما أنها مرتبطة بمدى دخول دائرة الفعل الثقافي، عن وعي وبصيرة كيفما كان حجم ذلك الفعل ] ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا[[8] .

 


[1]-  خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: سيد قطب – ص 43 دار الشروق 1983         

[2]-  المرجع السابق

[3] - سورة العنكبوت  / 20

[4]-  سورة آل عمران : 78

[5] - مجلة الهلال : عدد خاص بنجيب محفوظ 1970

[6] - ثقافتنا بين نعم و لا غالي شكري – ط 1 . 1972 س 83

[7] - سورة النحل : 5- 8 .

[8] - الإسراء 36



صفحتنا على الفيسبوك  

 
مرئيات
قراءة في كتاب : البريشيون أعلام ومواطن استقرار للدكتورة نبية حدوش
الندوة الدولية السنوية للثقافة البانية : أي هوية رقمية للمجتمعات العربية؟
اللقاء الثقافي الشهري - المعجم التاريخي للغة العربية من تأطير الدكتور رشيد بلحبيب
اللقاء الثقافي الشهري قراءة في كتاب - ملف غوغل -
حفل تكريم جمعية النبراس للثقافة والتنمية بوجدة
المحاضرة الإفتتاحية - الخطاب الثقافي الجمالي المعاصر: الشعر والحظارة
الحلقة السابعة من مجالس عباد الرحمان
الحفل الرمضاني السنوي 2017 2016
ندوة المجتمع وقيم التكافل: يوم السبت 20 ماي 2017
ندوة المجتمع وقيم التكافل: ورشة قيم التكافل في تدبير المشاريع التطوعية

مرئيات تعريفية
شريط تعريفي بالجمعية
كلمة السيد مدير البرامج عن الموقع الإلكتروني الجديد
اللجنة الصحية
لجنة النشاط الطفولي
لجنة محو الامية والتربية غير النظامية
لجنة ملتقى الشباب